لعبة التنس 1958



تنس فور تو: شرارة الألعاب الإلكترونية

في عام 1958، لم تكن ألعاب الفيديو كما نعرفها اليوم موجودة. كانت أجهزة الكمبيوتر ضخمة ومعقدة، وتُستخدم في الغالب لأغراض البحث العلمي أو الحسابات العسكرية. ولكن في مختبر بروكهافن الوطني بالولايات المتحدة، قرر الفيزيائي المبدع ويليام هيجنبوثام (William Higinbotham) أن يقدم شيئًا مختلفًا لزوار المعرض السنوي للمختبر. أراد أن يوضح للجمهور أن العلم والتكنولوجيا يمكن أن يكونا ممتعين.

النتيجة كانت "تنس فور تو"، لعبة بسيطة ومبتكرة للغاية في وقتها. بدلاً من شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر الحديثة، كانت اللعبة تُعرض على راسم إشارة (Oscilloscope)، وهو جهاز يُستخدم عادة لعرض الإشارات الكهربائية. كانت الشاشة تُظهر ملعب تنس جانبي بسيط، وكرة عبارة عن نقطة مضيئة تتحرك وتُضرب بين لاعبين يتحكمان فيها عبر مقابض تحكم بدائية. كانت اللعبة تعمل بواسطة حاسوب تماثلي (Analog Computer)، يُحسب مسار الكرة، ويُحاكي الجاذبية وارتداد الكرة عن الشبكة والأرض.

للوهلة الأولى، قد تبدو "تنس فور تو" بدائية للغاية بمعايير اليوم. ومع ذلك، في عام 1958، كانت هذه اللعبة تُعد إنجازًا تقنيًا مذهلاً. لقد جذبت مئات الزوار، ووقفوا في طوابير طويلة لتجربتها. كانت التجربة التفاعلية لضرب كرة افتراضية والتحكم فيها شيئًا غير مسبوق تمامًا، وأثبتت أن لأجهزة الكمبيوتر إمكانات تتجاوز الحسابات المعقدة.


الأهمية التاريخية: ميلاد صناعة عملاقة

لم يقم هيجنبوثام بتسجيل براءة اختراع لـ "تنس فور تو"، حيث اعتبرها مجرد وسيلة للترفيه في معرض علمي. لكن أهميتها التاريخية لا يمكن إنكارها:

  • أحد الألعاب التفاعلية الأولى: تُعد "تنس فور تو" واحدة من أوائل الألعاب الإلكترونية التي سمحت للاعبين بالتفاعل مباشرة مع عناصر على الشاشة، مما يضعها كإحدى اللبنات الأساسية لألعاب الفيديو الحديثة.
  • إظهار إمكانيات الكمبيوتر: أظهرت اللعبة قدرة الكمبيوتر على توليد رسومات ديناميكية وتوفير تجربة ترفيهية، وهو ما فتح آفاقًا جديدة للمطورين والمهندسين.
  • نقطة انطلاق لألعاب مستقبلية: على الرغم من عدم الشهرة الفورية لـ "تنس فور تو" بعد عرضها، إلا أنها مهدت الطريق لألعاب لاحقة مثل "بونج" (Pong) في السبعينيات، والتي كانت مستوحاة بشكل كبير من مفهوم التنس البسيط الذي قدمته "تنس فور تو". "بونج" بدورها كانت العامل الأساسي في انتشار ألعاب الفيديو تجاريًا.

من راسم إشارة في مختبر علمي إلى صناعة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، بدأت رحلة الألعاب الإلكترونية بلحظة بسيطة من الإلهام في عام 1958، حيث أدرك فيزيائي عبقري إمكانية تحويل التكنولوجيا المعقدة إلى وسيلة ممتعة للترفيه. هكذا، في ذلك العام، لم يشهد العالم بطولة تنس كلاسيكية فحسب، بل شهد أيضًا ميلاد عصر جديد من التفاعل الرقمي الذي ما زلنا نعيشه حتى اليوم.